تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 89 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 89

89 : تفسير الصفحة رقم 89 من القرآن الكريم

** وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مّا فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لاَتَيْنَاهُمْ مّن لّدُنّـآ أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مّسْتَقِيماً * وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُوْلَـَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَآءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ عَلِيماً
يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه, لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر, وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان, فكيف كان يكون, ولهذا قال تعالى: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الاَية, قال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثني إسحاق, حدثنا أبو زهير عن إسماعيل, عن أبي إسحاق السبيعي, قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الاَية, قال رجل: لو أمرنا لفعلنا, والحمد لله الذي عافانا, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي», ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن منير, حدثنا روح, حدثنا هشام عن الحسن بإسناده عن الأعمش, قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الاَية, قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لو فعل ربنا لفعلنا, فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي». وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود, فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا, فقال ثابت: والله لو كتب علينا {أن اقتلوا أنفسكم} لفعلنا¹ فأنزل الله هذه الاَية. ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا محمود بن غيلان, حدثنا بشر بن السري, حدثنا مصعب بن ثابت عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم» وحدثنا أبي, حدثنا أبو اليمان, حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو, عن شريح بن عبيد, قال: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الاَية, أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه بيده إلى عبد الله بن رواحة, فقال: «لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل» يعني ابن رواحة, ولهذا قال تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به} أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما ينهون عنه {لكان خيراً لهم} أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي {وأشد تثبيت}, قال السدي: أي وأشد تصديقاً {وإذاً لاَتيناهم من لدن} أي من عندنا {أجراً عظيم} يعني الجنة {ولهديناهم صراطاً مستقيم} أي في الدنيا والاَخرة, ثم قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيق}. أي من عمل بما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون, ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال: {وحسن أولئك رفيق} وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب, حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه, عن عروة, عن عائشة, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من نبي يمرض إِلا خير بين الدنيا والاَخرة» وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: «مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» فعلمت أنه خُيّر, وكذا رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن إِبراهيم به. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر «اللهم الرفيق الأعلى» ثلاثاً ثم قضى, عليه أفضل الصلاة والتسليم.

(ذكر سبب نزول هذه الاَية الكريمة)
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, قال: جاء رجل من الأنصار إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا فلان ما لي أراك محزوناً ؟» فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه, فقال: ما هو ؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إِلى وجهك ونجالسك وغداً ترفع مع النبيين فلا نصل إِليك, فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً, فأتاه جبريل بهذه الاَية {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} الاَية, فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره. وقد روي هذا الأثر مرسلاً عن مسروق, وعن عكرمة, وعامر الشعبي وقتادة, وعن الربيع بن أنس وهو من أحسنها سنداً, قال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله: {ومن يطع الله والرسول} الاَية, وقال: إِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه, وكيف لهم إِذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضاً. فأنزل الله في ذلك, يعني هذه الاَية, فقال: يعني رسول الله «إِن الأعلين ينحدرون إِلى من هو أسفل منهم, فيجتمعون في رياض فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه, وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به, فهم في روضة يحبرون ويتنعمون فيه», وقد روي مرفوعاً من وجه آخر, فقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم, حدثنا إِسماعيل بن أحمد بن أسيد, حدثنا عبد الله بن عمران, حدثنا فضيل بن عياض عن منصور, عن إِبراهيم, عن الأسود, عن عائشة, قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إِنك لأحب إِليّ من نفسي, وأحب إليّ من أهلي, وأحب إِلي من ولدي, وإِني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إِليك, وإِذا ذكرت موتي وموتك, عرفت أنك إِذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين, وإِن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك, فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيق}. وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه في صفة الجنة من طريق الطبراني عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال, عن عبد الله بن عمران العابدي به, ثم قال: لا أرى بإسناده بأساً, والله أعلم. وقال ابن مردويه أيضاً: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي, حدثنا أبو بكر بن ثابت ابن عباس المصري, حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب, عن عامر الشعبي, عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحبك حتى إني لأذكرك في المنزل فيشق ذلك علي, وأحب أن أكون معك في الدرجة, فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً, فأنزل الله عز وجل هذه الاَية. وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد عن جرير عن عطاء, عن الشعبي مرسلاً, وثبت في صحيح مسلم من حديث هقل بن زياد عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته, فقال لي «سل», فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة, فقال: «أو غير ذلك ؟» قلت: هو ذاك. قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود».
وقال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن إِسحاق, أخبرنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر, عن عيسى بن طلحة, عن عمرو بن مرة الجهني, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, شهدت أن لا إله إلا الله, وأنك رسول الله, وصليت الخمس, وأديت زكاة مالي. وصمت شهر رمضان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة وهكذا ـ ونصب أصبعيه ـ ما لم يعق والديه» تفرد به أحمد. قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو سعيد مولى أبي هاشم, حدثنا ابن لهيعة عن زبان بن فائد, عن سهل بن معاذ بن أنس, عن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء الصالحين, وحسن أولئك رفيقاً إِن شاء الله» وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري, عن أبي حمزة, عن الحسن البصري, عن أبي سعيد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» ثم قال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وأبو حمزة اسمه عبد الله بن جابر شيخ بصري, وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم, فقال: «المرء مع من أحب», قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث. وفي رواية عن أنس أنه قال: إني لأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما, وأرجو أن الله يبعثني معهم وإن لم أعمل كعملهم, قال الإِمام مالك بن أنس, عن صفوان بن سليم, عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم, كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق المشرق أوالمغرب, لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله, تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, قال «بلى, والذي نفسي بيده رجال آمنوا با لله وصدقوا المرسلين», أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك واللفظ لمسلم, ورواه الإِمام أحمد, حدثنا فزارة, أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي, عن عطاء, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون ـ أو ترون ـ الكوكب الدري الغابر في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات». قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون ؟ قال: «بلى, والذي نفسي بيده, رجال آمنوا با لله وصدقوا المرسلين» قال الحافظ الضياء المقدسي: هذا الحديث على شرط البخاري, والله أعلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثناعلي بن عبد العزيز, حدثنا محمد بن عمار الموصلي, حدثنا عفيف بن سالم عن أيوب, عن عتبة, عن عطاء عن ابن عمر, قال: أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سل واستفهم» فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة, ثم قال: أفرأيت إن آمنت بماآمنت به وعملت بما عملت به, إني لكائن معك في الجنة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم, والذي نفسي بيده, إنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله, كان له بها عهد عند الله, ومن قال: سبحان الله وبحمده, كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة» فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة من نعم الله, فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته» ونزلت هذه الاَيات {هل أتى على الإِنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ـ إلى قوله ـ نعيماً وملكاً كبير} فقال الحبشي: وإن عينيّ لتريان ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» فاستبكى حتى فاضت نفسه, قال ابن عمر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيديه, فيه غرابة ونكارة وسنده ضعيف, ولهذا قال تعالى: { ذلك الفضل من الله} أي من عند الله برحمته وهو الذي أهلهم لذلك لا بأعمالهم {وكفى بالله عليم} أي هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق.

** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعاً * وَإِنّ مِنْكُمْ لَمَن لّيُبَطّئَنّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مّعَهُمْ شَهِيداً * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنّ كَأَن لّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ يَلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً * فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالاَخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم, وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد, وتكثير العدد بالنفير في سبيل الله {ثبات} أي جماعة بعد جماعة وفرقة بعد فرقة وسرية بعد سرية, والثباب جمع ثبة, وقد تجمع الثبة على ثبين, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: {فانفروا ثبات} أي عصباً يعني, سرايا متفرقين {أو انفروا جميع} يعني كلكم, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وخصيف الجزري.
وقوله تعالى: {وإن منكم لمن ليبطئن} قال مجاهد وغير واحد: نزلت في المنافقين, وقال مقاتل بن حيان: {ليبطئن} أي ليتخلفن عن الجهاد, ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه, ويبطىء غيره عن الجهاد كما كان عبد الله بن أبي بن سلول ـ قبحه الله ـ يفعل, يتأخر عن الجهاد ويثبط الناس عن الخروج فيه. وهذا قول ابن جريج وابن جرير, ولهذ قال تعالى إخباراً عن المنافق أنه يقول: إذا تأخر عن الجهاد {فإِن أصابتكم مصيبة} أي قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما لله في ذلك من الحكمة { قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيد} أي إذ لم أحضر معهم وقعة القتال يعد ذلك من نعم الله عليه, ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل.
{ولئن أصابكم فضل من الله} أي نصر وظفر وغنيمة {ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة} أي كأنه ليس من أهل دينكم {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيم} أي بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه. وهو أكبر قصده وغاية مراده.
ثم قال تعالى: {فليقاتل} أي المؤمن النافر {في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاَخرة} أي يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا, وما ذلك إِلا لكفرهم وعدم إيمانهم, ثم قال تعالى: {ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيم} أي كل من قاتل في سبيل الله سواء قتل أو غلب عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل, كما ثبت في الصحيحين: وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة.